نور حقیقت - خطبة التطنجیة

خطبة التطنجیة

و من خطبة له علیه السّلام تسمّى التطنجیة، ظاهرها أنیق، و باطنها عمیق، فلیحذر قارئها من سوء ظنّه، فإن فیها من تنزیه الخالق ما لا یطیقه أحد من الخلائق، خطبها أمیر المؤمنین علیه السّلام بین الکوفة و المدینة، فقال: الحمد للّه الذی فتق الأجواء و خرق الهواء، و علق الأرجاء و أضاء الضیاء، و أحیى الموتى و أمات الأحیاء، أحمده حمدا سطع فأرفع، و شعشع فلمع، حمدا یتصاعد فی السماء إرساله، و یذهب فی الجو اعتداله، خلق السّماوات بلا دعائم، و أقامها بغیر قوائم، و زیّنها بالکواکب المضیئات، و حبس فی الجو سحائب مکفهرات، و خلق البحار و الجبال على تلاطم تیار رفیق رئیق، فتق رتجاها  ١ فتغطمطت أمواجها، أحمده و له الحمد، و أشهد أن لا إله إلاّ هو، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، انتجبه من البحبوحة العلیا، و أرسله فی العرب، و ابتعثه هادیا مهدیا حلاحلا  ٢ طلسمیا، فأقام الدلائل، و ختم الرسائل، بصّر به المسلمین، و أظهر به الدین، صلّى اللّه علیه و آله الطاهرین.

أیّها الناس، أنیبوا إلى شیعتی، و التزموا بیعتی، و واظبوا على الدین بحسن الیقین، و تمسّکوا بوصی نبیّکم الذی به نجاتکم، و بحبّه یوم الحشر منجاتکم، فأنا الأمل و المأمول.

أنا الواقف على التطنجین، أنا الناظر إلى المغربین و المشرقین، رأیت رحمة اللّه و الفردوس  ٣ رأی العین، و هو فی البحر السابع یجری فی الفلک فی زخاخیره النجوم و الحبک، و رأیت الأرض ملتفة کالتفاف الثوب القصور، و هی فی خزف من التطنج الأیمن ممّا یلی المشرق و التطنجان، خلیجان من ماء کأنهما أیسار تطنجین، و أنا المتولی دائرتها، و ما الفردوس؟ و ما هم فیه إلاّ کالخاتم فی الإصبع، و لقد رأیت الشمس عند غروبها و هی کالطایر المنصرف إلى و کره، و لو لا اصطکاک رأس الفردوس، و اختلاط التطنجین، و صریر الفلک، یسمع من فی السّماوات و الأرض رمیم حمیم دخولها فی الماء الأسود، و هی العین الحمئة، و لقد علمت من عجائب خلق اللّه ما لا یعلمه إلاّ اللّه، و عرفت ما کان و ما یکون و ما کان فی الذر الأوّل مع من تقدّم من آدم الأول، و لقد کشف لی فعرفت، و علمنی ربی فتعلّمت، ألا فعوا و لا تضجوا و لا ترتجوا فلولا خوفی علیکم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتکم بما کانوا و ما أنتم فیه و ما تلقونه إلى یوم القیامة، علم أو عز إلی فعلمت، و لقد ستر علمه عن جمیع النبیین إلاّ صاحب شریعتکم هذه صلوات اللّه علیه و آله، فعلّمنی علمه، و علمته علمی، ألا و إنّا نحن النذر الأولى، و نحن نذر الآخرة و الأولى، و نذر کل زمان و أوان، و بنا هلک من هلک، و بنا نجا من نجا، فلا تستطیعوا ذلک فینا، فو الذی فلق الحبة، و برأ النسمة، و تفرّد بالجبروت و العظمة، لقد سخرت لی الریاح و الهواء و الطیر، و عرضت علیّ الدنیا، فأعرضت عنها، أنا کاب الدنیا لوجهها فحنى، متى یلحق بی اللواحق، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى، و ما تحت السابعة السفلى، و ما فی السّماوات العلى، و ما بینهما و ما تحت الثرى.

کل ذلک علم إحاطة لا علم أخبار، أقسم بربّ العرش العظیم، لو شئت أخبرتکم بآبائکم و أسلافکم أین کانوا و ممّن کانوا و أین هم الآن و ما صاروا إلیه، فکم من آکل منکم لحم أخیه، و شارب برأس أبیه، و هو یشتاقه و یرتجیه.

هیهات هیهات، إذا کشف المستور، و حصل ما فی الصدور، و علم أین الضمیر، و أیم اللّه لقد کوزتم کوزات، و کررتم کرات، و کم بین کرة و کرة من آیة و آیات، ما بین مقتول و میّت، فبعض فی حواصل الطیور، و بعض فی بطون الوحش، و الناس ما بین ماض و زاج  ١ ، و رایح و غاد، و لو کشف لکم ما کان منّی فی القدیم الأول، و ما یکون منّی فی الآخرة، لرأیتم عجائب مستعظمات، و أمورا مستعجبات، و صنائع و إحاطات، أنا صاحب الخلق الأوّل قبل نوح الأول، و لو علمتم ما کان بین آدم و نوح من عجائب اصطنعتها، و أمم أهلکتها: فحق علیهم القول، فبئس ما کانوا یفعلون. أنا صاحب الطوفان الأوّل، أنا صاحب الطوفان الثانی، أنا صاحب سیل العرم، أنا صاحب الأسرار المکنونات، أنا صاحب عاد و الجنات، أنا صاحب ثمود و الآیات، أنا مدمّرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلکها، أنا مدبرها، أنا بانیها، أنا داحیها، أنا ممیتها، أنا محییها، أنا الأوّل، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطل، أنا مع الکور قبل الکور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلیة الأولیة، أنا صاحب جابلقا و جابرسا، أنا صاحب الرفوف و بهرم، أنا مدبر العالم الأول حین لا سماؤکم هذه و لا غبراؤکم.

قال: فقام إلیه ابن صویرمة فقال: أنت أنت یا أمیر المؤمنین؟ فقال: أنا أنا لا إله إلاّ اللّه ربّی و رب الخلائق أجمعین، له الخلق و الأمر، الذی دبّر الأمور بحکمته، و قامت السّماوات و الأرض بقدرته، کأنی بضعیفکم یقول أ لا تسمعون إلى ما یدّعیه ابن أبی طالب فی نفسه، و بالأمس تکفهر علیه عساکر أهل الشام فلا یخرج إلیها؟

و باعث محمد و إبراهیم! لأقتلن أهل الشام بکم قتلات و أی قتلات، و حقی و عظمتی لأقتلنّ أهل الشام بکم قتلات و أی قتلات، و لأقتلن أهل صفین بکل قتلة سبعین قتلة، و لأردنّ إلى کل مسلم حیاة جدیدة، و لأسلمن إلیه صاحبه و قاتله، إلى أن یشفى غلیل صدری منه، و لأقتلن بعمّار بن یاسر و بأویس القرنی ألف قتیل أو لا یقال لا و کیف و أین و متى و أنى و حتى، فکیف إذا رأیتم صاحب الشام ینشر بالمناشیر، و یقطع بالمساطیر، ثم لأذیقنّه ألیم العقاب، ألا فابشروا، فإلیّ یرد أمر الخلق غدا بأمر ربی، فلا یستعظم ما قلت، فإنا أعطینا علم المنایا و البلایا، و التأویل و التنزیل، و فصل الخطاب و علم النوازل، و الوقائع و البلایا، فلا یعزب عنّا شیء.

کأنی بهذا و أشار إلى الحسین علیه السّلام قد ثار نوره بین عینیه، فأحضره لوقته بحین طویل یزلزلها و یخسفها، و ثار معه المؤمنون فی کل مکان، و أیم اللّه لو شئت سمّیتهم رجلا رجلا بأسمائهم و أسماء آبائهم فهم یتناسلون من أصلاب الرجال و أرحام النساء، إلى یوم الوقت المعلوم.

ثم قال: یا جابر، أنتم مع الحق و معه تکونون، و فیه تموتون، یا جابر إذا صاح الناقوس، و کبس الکابوس، و تکلّم الجاموس، فعند ذلک عجائب و أی عجائب، إذا أنارت النار ببصرى،

و ظهرت الرایة العثمانیة بوادی سوداء، و اضطربت البصرة و غلب بعضهم بعضا، و صبا کل قوم إلى قوم، و تحرّکت عساکر خراسان، و تبع شعیب بن صالح التیمی من بطن الطالقان، و بویع لسعید السوسی بخوزستان، و عقدت الرایة لعمالیق کردان، و تغلبت العرب على بلاد الأرمن و السقلاب، و أذعن هرقل بقسطنطینة لبطارقة سینان، فتوقعوا ظهور مکلم موسى من الشجرة على الطور، فیظهر هذا ظاهر مکشوف، و معاین موصوف، ألا و کم عجائب ترکتها، و دلائل کتمتها، لا أجد لها حملة، أنا صاحب إبلیس بالسجود، أنا معذّبه و جنوده على الکبر و الغرور بأمر اللّه، أنا رافع إدریس مکانا علیا، أنا منطق عیسى فی المهد صبیا، أنا مدین المیادین و واضع الأرض، أنا قاسمها أخماسا، فجعلت خمسا برا، و خمسا بحرا، و خمسا جبالا، و خمسا عمّارا، و خمسا خرابا.

أنا خرقت القلزم من الترجیم، و خرقت العقیم من الحیم، و خرقت کلاّ من کل، و خرقت بعضا فی بعض، أنا طیرثا، أنا جانبوثا، أنا البارحلون، أنا علیوثوثا، أنا المسترق على البحار فی نوالیم الزخار عند البیار، حتى یخرج لی ما أعد لی فیه من الخیل و الرجل، فآخذ ما أحببت، و أترک ما أردت، ثم أسلّم إلى عمّار بن یاسر اثنی عشر ألف أدهم على أدهم، منها محب اللّه و لرسوله، مع کل واحد اثنى عشر کتیبة، لا یعلم عددها إلاّ اللّه، ألا فابشروا، فأنتم نعم الإخوان، ألا و إن لکم بعد حین طرفة تعلمون بها بعض البیان، و تنکشف لکم صنائع البرهان، عند طلوع بهرام و کیوان، على دقائق الاقتران، فعندها تتواتر الهزات و الزلازل، و تقبل رایات من شاطئ جیحون إلى بیداء بابل.

أنا مبرج الأبراج و عاقد الریاح، و مفتح الأفراج و باسط العجاج، أنا صاحب الطور، أنا ذلک النور الظاهر، أنا ذلک البرهان الباهر، و إنما کشف لموسى شقص من شقص الذر من المثقال، و کل ذلک بعلم من اللّه ذی الجلال.

أنا صاحب جنّات الخلود، أنا مجری الأنهار أنهارا من ماء تیار، و أنهارا من لبن، و أنهارا من عسل مصفّى، و أنهارا من خمر لذّة للشاربین، أنا حجبت جهنّم و جعلتها طبقات السعیر، و سقیر الجیر، و الأخرى عمقیوس أعددتها للظالمین، و أودعت ذلک کلّه وادی برهوت، و هو و الفلق و رب ما خلق، یخلد فیه الجبت و الطاغوت و عبیدهما، و من کفر بذی الملک

و الملکوت، أنا صانع الأقالیم بأمر العلیم الحکیم، أنا الکلمة التی بها تمّت الأمور و دهرت الدهور، أنا جعلت الأقالیم أرباعا، و الجزائر سبعا، فإقلیم الجنوب معدن البرکات، و إقلیم الشمال معدن السطوات، و إقلیم الصبا معدن الزلازل و إقلیم الدبور معدن الهلکات.

ألا ویل لمدائنکم و أمصارکم من طغاة یظهرون فیغیرون و یبدلون إذا تمالت الشدائد من دولة الخصیان، و ملکة الصبیان، و النسوان، فعند ذلک ترتج الأقطار بالدعاة إلى کل باطل، هیهات هیهات، توقعوا حلول الفرج الأعظم، و إقباله فوجا فوجا، إذا جعل اللّه حصباء النجف جوهرا، و جعله تحت أقدام المؤمنین، و تبایع به للخلاف و المنافقین، و یبطل معه الیاقوت الأحمر، و خالص الدر و الجوهر، ألا و إن ذلک من أبین العلامات، حتى إذا انتهى ذلک صدق ضیاؤه، و سطع بهاؤه، و ظهر ما تریدون، و بلغتم ما تحبّون، ألا و کم إلى ذلک من عجائب جمّة، و أمور ملمة، یا أشباه الأعثام، و بهام الأنعام، کیف تکونون إذا دهمتکم رایات لبنی کنام مع عثمان بن عنبسة من عراص الشام یرید بها أبویه، و یزوج بها أمیه، هیهات أن یرى الحق أموی أم عدوی.

ثم بکى صلوات اللّه علیه، و قال: واها للأمم، أ ما شاهدت رایات بنی عتبة مع بنی کنام السائرین أثلاثا، المرتکبین جبلا جبلا مع خوف شدید، و بؤس عتید، ألا و هو الوقت الذی وعدتم به، لأحملنّهم على نجائب، تحفّهم مراکب الأفلاک، کأنی بالمنافقین یقولون نص علیّ على نفسه بالربانیة، ألا فاشهدوا شهادة أسألکم بها عند الحاجة إلیها، إن علیا نور مخلوق، و عبد مرزوق، و من قال غیر هذا فعلیه لعنة اللّه و لعنة اللاعنین.

ثم نزل و هو یقول: تحصنت بذی الملک و الملکوت، و اعتصمت بذی العزّة و الجبروت، و امتنعت بذی القدرة و الملکوت، من کل ما أخاف و أحذر، أیها الناس ما ذکر أحدکم هذه الکلمات عند نازلة أو شدّة إلاّ و أزاحها اللّه عنه.

فقال له جابر: وحدها یا أمیر المؤمنین، فقال: نعم و أضیف إلیها الثلاثة عشر اسما، و ضمّنی، ثم رکب و مضى  .