نور حقیقت - معرفة الإمام بالنورانیة

معرفة الإمام بالنورانیة

و من هذا الباب ما رواه سلمان، و أبو ذر، عن أمیر المؤمنین علیه السّلام أنه قال: من کان ظاهره فی ولایتی أکثر من باطنه خفّت موازینه؛ یا سلمان لا یکمل المؤمن إیمانه حتى یعرفنی بالنورانیة، و إذا عرفنی بذلک فهو مؤمن، امتحن اللّه قلبه للإیمان، و شرح صدره للإسلام، و صار عارفا بدینه مستبصرا، و من قصر عن ذاک فهو شاک مرتاب، یا سلمان و یا جندب، إن معرفتی بالنورانیة معرفة اللّه، و معرفة اللّه معرفتی، و هو الدین الخالص، بقول اللّه سبحانه:

وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِیَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِینَ لَهُ اَلدِّینَ و هو الإخلاص، و قوله: حُنَفٰاءَ و هو الإقرار بنبوّة محمد صلّى اللّه علیه و آله، و هو الدین الحنیف، و قوله: وَ یُقِیمُوا اَلصَّلاٰةَ ، و هی ولایتی، فمن و الانی فقد أقام الصلاة، و هو صعب مستصعب.

وَ یُؤْتُوا اَلزَّکٰاةَ ، و هو الإقرار بالأئمة، وَ ذٰلِکَ دِینُ اَلْقَیِّمَةِ أی و ذلک دین اللّه القیم.

شهد القرآن أن الدین القیم الإخلاص بالتوحید، و الإقرار بالنبوّة و الولایة، فمن جاء بهذا فقد أتى بالدین.

یا سلمان و یا جندب، المؤمن الممتحن الذی لم یرد علیه شیء من أمرنا، إلاّ شرح اللّه صدره لقبوله، و لم یشک و لم یرتب، و من قال لم و کیف فقد کفر، فسلموا للّه أمره، فنحن أمر اللّه، یا سلمان و یا جندب، إنّ اللّه جعلنی أمینه على خلقه، و خلیفته فی أرضه و بلاده و عباده، و أعطانی ما لم یصفه الواصفون، و لا یعرفه العارفون، فإذا عرفتمونی هکذا فأنتم مؤمنون، یا سلمان قال اللّه تعالى: وَ اِسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاٰةِ فالصبر محمد، و الصلاة ولایتی، و لذلک قال: وَ إِنَّهٰا لَکَبِیرَةٌ ، و لم یقل و إنهما، ثم قال: إِلاّٰ عَلَى اَلْخٰاشِعِینَ  ٢ ، فاستثنى أهل ولایتی الذین استبصروا بنور هدایتی، یا سلمان، نحن سرّ اللّه الذی لا یخفى، و نوره الذی لا یطفى، و نعمته التی لا تجزى، أوّلنا محمد، و أوسطنا محمد، و آخرنا محمد، فمن عرفنا فقد استکمل الدین القیم.

یا سلمان و یا جندب، کنت و محمدا نورا نسبّح قبل المسبّحات، و نشرق قبل المخلوقات، فقسم اللّه ذلک النور نصفین: نبی مصطفى، و وصی مرتضى، فقال اللّه عز و جل لذلک النصف:

کن محمدا، و للآخر کن علیا، و لذلک قال النبی صلّى اللّه علیه و آله: أنا من علی، و علی منّی، و لا یؤدی عنّی إلاّ أنا أو علی ١ و إلیه الإشارة بقوله: وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَکُمْ   ، و هو إشارة إلى اتحادهما فی عالم الأرواح و الأنوار، و مثله قوله: أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ   ، و المراد هنا مات أو قتل الوصی، لأنّهما شیء واحد، و معنى واحد، و نور واحد، اتّحدا بالمعنى و الصفة، و افترقا بالجسد و التسمیة، فهما شیء واحد فی عالم الأرواح «أنت روحی التی بین جنبیّ»   ، و کذا فی عالم الأجساد: «أنت منّی و أنا منک ترثنی و أرثک»   «أنت منّی بمنزلة الروح من الجسد» .

و إلیه الإشارة بقوله: صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً   ، و معناه صلّوا على محمد، و سلّموا لعلی أمره، فجمعهما فی جسد واحد جوهری، و فرّق بینهما بالتسمیة و الصفات فی الأمر، فقال: صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً ، فقال: صلّوا على النبی، و سلّموا على الوصی، و لا تنفعکم صلواتکم على النبی بالرسالة إلاّ بتسلیمکم على علی بالولایة.

یا سلمان و یا جندب، و کان محمد الناطق، و أنا الصامت، و لا بد فی کل زمان من صامت و ناطق، فمحمد صاحب الجمع، و أنا صاحب الحشر، و محمد المنذر، و أنا الهادی، و محمد صاحب الجنة، و أنا صاحب الرجعة، محمد صاحب الحوض، و أنا صاحب اللواء، محمد صاحب المفاتیح، و أنا صاحب الجنة و النار، و محمد صاحب الوحی، و أنا صاحب الإلهام، محمد

صاحب الدلالات، و أنا صاحب المعجزات، محمد خاتم النبیین، و أنا خاتم الوصیین، محمد صاحب الدعوة، و أنا صاحب السیف و السطوة، محمد النبی الکریم، و أنا الصراط المستقیم، محمد الرءوف الرحیم، و أنا العلی العظیم.

یا سلمان، قال اللّه سبحانه: یُلْقِی اَلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلىٰ مَنْ یَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ  ١ ، و لا یعطی هذا الروح إلاّ من فوّض إلیه الأمر و القدر، و أنا أحیی الموتى، و اعلم ما فی السّماوات و الأرض، و أنا الکتاب المبین، یا سلمان، محمد مقیم الحجّة، و أنا حجّة الحق على الخلق، و بذلک الروح عرج به إلى السماء، أنا حملت نوحا فی السفینة، أنا صاحب یونس فی بطن الحوت، و أنا الذی حاورت موسى فی البحر، و أهلکت القرون الأولى، أعطیت علم الأنبیاء و الأوصیاء، و فصل الخطاب، و بی تمّت نبوّة محمد، أنا أجریت الأنهار و البحار، و فجّرت الأرض عیونا، أنا کاب الدنیا لوجهها، أنا عذاب یوم الظلة، أنا الخضر معلّم موسى، أنا معلم داود و سلیمان، أنا ذو القرنین، أنا الذی دفعت سمکها بإذن اللّه عز و جل، أنا دحوت أرضها، أنا عذاب یوم الظلة، أنا المنادی من مکان بعید، أنا دابة الأرض، أنا کما یقول لی رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله:

أنت یا علی ذو قرنیها، و کلا طرفیها، و لک الآخرة و الأولى، یا سلمان إن میّتنا إذا مات لم یمت، و مقتولنا لم یقتل، و غائبنا إذا غاب لم یغب، و لا نلد و لا نولد فی البطون، و لا یقاس بنا أحد من الناس، أنا تکلّمت على لسان عیسى فی المهد، أنا نوح، أنا إبراهیم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الراجفة، أنا صاحب الزلزلة. أنا اللوح المحفوظ، إلیّ انتهى علم ما فیه، أنا أنقلب فی الصور کیف شاء اللّه، من رآهم فقد رآنی، و من رآنی فقد رآهم، و نحن فی الحقیقة نور اللّه الذی لا یزول و لا یتغیّر.

یا سلمان، بنا شرف کل مبعوث، فلا تدعونا أربابا، و قولوا فینا ما شئتم، ففینا هلک و بنا نجی. یا سلمان، من آمن بما قلت و شرحت فهو مؤمن، امتحن اللّه قلبه للإیمان، و رضی عنه، و من شک و ارتاب فهو ناصب، و إن ادعى ولایتی فهو کاذب.

یا سلمان أنا و الهداة من أهل بیتی سرّ اللّه المکنون، و أولیاؤه المقرّبون، کلّنا واحد، و سرّنا واحد، فلا تفرّقوا فینا فتهلکوا، فإنّا نظهر فی کل زمان بما شاء الرحمن، فالویل کل الویل لمن أنکر ما قلت، و لا ینکره إلاّ أهل الغباوة، و من ختم على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة، یا سلمان، أنا أبو کل مؤمن و مؤمنة، یا سلمان، أنا الطامة الکبرى، أنا الآزفة إذا أزفت، أنا الحاقة، أنا القارعة، أنا الغاشیة، أنا الصاخة، أنا المحنة النازلة، و نحن الآیات و الدلالات و الحجب و وجه اللّه، أنا کتب اسمی على العرش فاستقر، و على السّماوات فقامت، و على الأرض ففرشت، و على الریح فذرت، و على البرق فلمع، و على الوادی فهمع، و على النور فقطع، و على السحاب فدمع، و على الرعد فخشع، و على اللیل فدجى و أظلم، و على النهار فأنار و تبسّم   .